التوبة شرعا هى الندم على ارتكاب الإثم، والعزم الصادق على ترك العود إليه، فقد ورد فى الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (التوبة النصوح الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله تعالى ثم لا تعود إليه أبدا) وقال عليه السلام فيما روى عن ابن مسعود - (التوبة من الذنب أن لا تعود إليه أبدا) فمتى وجد العزم والندم الصادقان من المؤمن المذنب على ترك المعصية، وعدم العود إليها، ذلا لله وخوفا من عقابه كانت توبته حينئذ صحيحة، ونرجو أن تكون منجية له من العذاب إن شاء الله .
قال تعالى { وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات } الشورى 25 ، وقال تعالى { وإنى لغفار لمن تاب } طه 82 ، وهذا وعد من الله لمن أخلص النية فى التوبة من الذنب والندم عليه، ووعده الحق سبحانه لا يتخلف، فضلا منه ورحمة .
وقال الغزالى فى إحياء العلوم فى باب التوبة من الجزء الحادى عشر وهى (أى التوبة) واجبة على كل مسلم على الدوام وفى كل حال، لأن البشر قلما يخلو عن معصية بجوارحه، فإنه إن خلا فى بعض الأحوال عن معصية الجوارح، فلا يخلو عن الهم بالذنوب بالقلب فإن خلا فى بعض الأحوال من الهم، فلا يخلو عن وسواس الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر الله ن وإن خلا عن ذلك كله فلا يخلو عن غفلة وقصور فى العلم بالله وصفاته وأفعاله، ولكى تكون التوبة مقبولة يجب أن تكون فى وقت يستطيع المذنب فيه أن يعمل من الحسنات ما يمحو به سيئاته، قبل أن تصل به حياته إلى نهايتها ، وتزايله كل ما كان فيه من قوة على اختيار ما ينفعه، حينئذ يتجرع غصة اليأس عن تدارك ما فاته ولا يجد إلى إصلاح حاله سبيلا بعد أن تقطعت من حوله كل السبل على أن يعمل .
وأن يعمل خيرا يزيل آثامه، ويجده خيرا فى أخراه عملا بقوله تعالى { إن الحسنات يذهبن السيئات } هود 114 ، وقوله عليه السلام (أتبع السيئة الحسنة تمحها) وإلى ذلك يشير قوله تعالى { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن } وقوله تعالى { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } فإن معنى القريب - قرب العهد بالخطيئة بأن يندم عليها بعد ارتكابها مباشرة، أو بعده بقليل ويمحو أثرها بالحسنات يردفها بها قبل أن يتراكم الرين على قلبه، فلا يقبل المحو منه .
فالتوبة النصوح إذا صدرت من المذنب فى وقتها مستوفية شروطها تلحق التائب بمن لم يرتكب المعصية أصلا .
لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .