السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي هدانا للإسلام والصلاة والسلام على خير الأنام وبعد ...،
الحياة الإسلامية هي أفضل حياة يمكن أن يحياها الإنسان ؛إنها حقيقة عظيمة قل من يدركها من بني البشر ، فضلاً عن أن يقتنع بها ، وقد بين الله تعالى ذلك في غير موضع من كتابه .
قال تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل/97 .
كما بين سبحانه أن من أعرض عن الإيمان بالله وذكره فقد عرض نفسه لحياة الضنك والشقاء كما قال تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آيتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) طه/124 ـ 127
فإذا علمت ذلك ـ أخي الكريم ـ واستقر في قلبك ، واطمأنت به نفسك ،
ثم علمت أن الله تعالى ما خلق هذا الكون بأرضه وسمائه وبحاره وأنهاره ، وجباله وسهوله ووهاده وصحاراه ؛ إلا من أجلك أنت أيها المخلوق الضعيف الفقير؛ كما قال سبحانه : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ً ) البقرة/29 ،
ثم علمت أن الحكمة العظمى من وجودك في هذه الدار إنما هي عبادة ربك وخالقك وبارئك الذي أحسن كل شيء خلقه ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56 .
وأنه سبحانه ما خلق الموت والحياة إلا ليختبر عباده ويبتليهم في أدائهم لهذه العبادة ، وقيامهم بحق الله فيها ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/2 ،
ثم تكرم سبحانه على عباده فوعد المحسنين في هذه الدار ، بأن لهم عنده في تلك الدار جنة عرضها السماوات والأرض ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ؛ كما وعد المسيء المفرط في حقه سبحانه بأن له نارا تلظى ، لا يموت فيها ولا يحي، وجعل فيها من أنواع النكال والعذاب ما يشيبُ الوليد سماعُه فضلا عن رؤيته ومعاينته نسأل الله لنا ولك السلامة منها .. آمين .
فإذا عرفت هذا معرفة قلب ويقين؛ علمت أن الفوز بهذا النعيم العظيم ، والنجاح في هذا الامتحان الخطير ، لا يكون إلا على جسر من التعب والمشقة التي تحتاج إلى صبر وتحمل ومعاناة . لكنها مشقة سرعان ما تنقضي، ومعاناة عن قريب تنتهي ؛ ليعقبها راحة أبدية ونعيم سرمدي فما عسى أن تساوي مشقة ساعة ، ولحظة ألم ؛ إذا ما قورنت بنعيم الدهر ولذة الأبد ..
نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليك بفضله وجنته .. آمين .
ثم اعلم أخي ـ وفقك الله لهداه ـ أنه كلما اشتدت غربة الدين وقل المتمسكون بالحق ـ كما هو الحال في زماننا هذا ـ صعب على النفس الثبات عليه ؛ وشق عليها مخالفة الكثرة الكاثرة من الخلق . ولذا فقد اقتضت حكمة الله تعالى وكرمه مضاعفة أجور المؤمنين الصادقين الثابتين على الحق ؛ الذين قدموا رضاه على ما سواه ، وضحوا في سبيل ذلك بالغالي والنفيس . ففي صحيح مسلم ( 145 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء ) .